كتب محمود حسن أن اليوم التالي للحرب على غزة يطرح معضلة كبيرة أمام الفاعلين الإقليميين والدوليين، الذين يسعون إلى صياغة خطة لنشر قوة عربية–دولية في القطاع بهدف إنهاء الحرب التي تقترب من دخول عامها الثاني في السابع من أكتوبر. وأشار إلى أن الفكرة ليست جديدة، إذ طُرحت مرات عديدة وواجهت رفضاً قاطعاً من العواصم العربية وتعهد المقاومة الفلسطينية بالتصدي لها، لكن الجديد هو إعلان القاهرة قبولها بانتشار قوات دولية في غزة.
أوضح موقع ميدل إيست مونيتور أن قبول مصر يثير مزيجاً من القلق والحاجة إلى ضمانات، كما يفتح الباب أمام أسئلة حول صلاحيات القوة الجديدة وإمكانية صدامها مع فصائل المقاومة ودوافع إسرائيل الخفية. وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أعلن قبل أيام أنه لا اعتراض على نشر قوات دولية في القطاع، وهو الموقف الذي عارضته القاهرة في السابق. هذا التحول يعكس ضغوطاً أمريكية على مصر للقبول بخطة تهجير سكان غزة إلى أراضيها، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى وقف الحرب التي سببت توتراً على حدودها الشمالية وأثرت في حركة الملاحة بالبحر الأحمر وقناة السويس بفعل هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
يرى مراقبون أن تغير موقف القاهرة يهدف إلى إفشال خطط إسرائيل لإعادة احتلال القطاع، وفي الوقت نفسه منع عودة حماس للحكم هناك، مع تمهيد الطريق أمام السلطة الفلسطينية لإدارة غزة وفتح باب إعادة الإعمار وخيار حل الدولتين. لكن حجم المشاركة المصرية والدول المساهمة وعدد الجنود وتسليحهم وطبيعة الجهة التي ستشرف على القوة، سواء الأمم المتحدة أو غيرها، لا يزال غامضاً. البيان الختامي للقمة العربية في المنامة 2024 دعا إلى نشر قوات حماية دولية تحت رعاية الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية حتى تطبيق حل الدولتين.
تُسند إلى القوة المقترحة مهام حماية المدنيين وتوزيع المساعدات وتأمين إعادة الإعمار، بينما تطمح إسرائيل إلى أهداف أوسع: تدمير الأنفاق ونزع سلاح حماس ومنع إطلاق الصواريخ. ووفقاً لتصريحات وزير الخارجية المصري، بدأت القاهرة تدريب خمسة آلاف شرطي فلسطيني من كوادر فتح في معسكرات مصرية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية والأردن، لتولي مهام الأمن في غزة بعد الحرب. المحلل محمد جمال أكد أن اقتصار تركيبة القوة على إطار فلسطيني عربي من مصر والأردن قد يقلل احتمالات الصدام مع المقاومة، لكنه شدد على أن نجاح الخطة يعتمد على التفاهمات مع السلطة وحماس والجهاد الإسلامي بشأن الأهداف والصلاحيات وطبيعة التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي.
من جانبها، أعلنت حماس على لسان أسامة حمدان أن أي قوة جديدة ستُعتبر قوة احتلال متحالفة مع إسرائيل. وفي مؤتمر صحفي على معبر رفح، جدد وزير الخارجية المصري تأكيد استعداد بلاده للمشاركة في أي قوة مشتركة إذا جاءت بتفويض واضح من مجلس الأمن وفي إطار سياسي محدد. القاهرة ترغب في أن يبقى وجود القوة مؤقتاً ريثما يجري الاتفاق على خارطة طريق لحل الدولتين وتوحيد الأجهزة الأمنية ووضع السلاح تحت سلطة السلطة الفلسطينية، مع تجنب الانجرار إلى صدام مباشر مع المقاومة أو مع القوات الإسرائيلية.
تسري تقارير عبر الإعلام العبري عن صفقة مدعومة أمريكياً تمنح مصر إدارة غزة لخمسة عشر عاماً مقابل شطب ديونها الخارجية البالغة 155 مليار دولار، إضافة إلى حزمة حوافز تشمل تدخل واشنطن لصالحها في قضية سد النهضة، وزيادة الدعم العسكري في سيناء، ودعم بقاء السيسي في الحكم حتى 2036.
لكن تفاصيل الخطة تحمل مخاطر عالية للصدام، خصوصاً إذا جرى استغلال القوة كذراع وكيلة لإسرائيل أو زُج بها في مواجهة مباشرة مع المقاومة، ما يحولها إلى قوة تقاتل نيابة عن تل أبيب وتعيد تصوير الصراع كمعركة بين المقاومة والعالم كله. تجارب سابقة مع قوات دولية في مناطق النزاع، مثل اليونيفيل في لبنان، تظهر كيف استُخدمت لمصلحة قوى الاحتلال. ويُخشى أن تتعرض القوة لاختراق استخباراتي إسرائيلي كما حدث مع منظمات إنسانية في غزة.
يشير خبراء إلى أن نجاح الخطة يتوقف على شرطين أساسيين: أن تعمل القوة حصراً كقوة فاصلة تحت مظلة الأمم المتحدة، وأن تحصل على موافقة رسمية من المقاومة. من دون ذلك ستُعتبر قوة احتلال وتواجه نيران الفصائل. ويضيف محللون أن سلاح المقاومة يظل العامل الحاسم في أي تسوية سياسية أو هدنة طويلة، وهو الهدف الذي عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيقه خلال عامين من الحرب. لذلك تبقى القوة المقترحة محاصرة بالشكوك، وقد تتحول هي نفسها إلى فخ جديد.
https://www.middleeastmonitor.com/20250826-joint-forces-to-govern-gaza-mission-and-repercussions/